الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: جنون التكفير والثلب

نشر في  06 سبتمبر 2017  (11:23)

في الآونة الأخيرة قرأت واستمعت لعدّة مواقف تكفّر من يعارض الفكر السائد بما في ذلك بعض المفاهيم العقائدية. كما استمعت لبعض من يلقّبون أنفسهم بـ«المشايخ» والحال انّهم يفتقرون للحدّ العلمي الأدنى وأحيانا الأخلاقي وليست لهم أيّة علاقة باسلام «جامع الزيتونة»..
سمعتهم يكفّرون الآخرين وكأنّ تونس باتت بلاد كفرة! ثم استمعنا لبعض الأيمّة المعروفين بتشدّدهم فإذا بهم يتوعّدون  كل من لا يتفق معهم في رؤيتهم للدين بنار جهنّم..
وإثر طرح رئيس الجمهورية السيد الباجي قايد السبسي اقتراح المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، كفّره بعض الأيمّة كما كفّر غيرهم في الماضي بورقيبة ومحمد الطالبي والصغير أولاد أحمد ومحمد الشرفي ويوسف الصدّيق وألفة يوسف وغيرهم.. وأوّل ما يخشى من التكفير انّه قد يعرّض المستهدف للخطر وحتى للموت.. وأمّا من الناحية القانونية فهو دعوة بل تحريض ضمني على القتل لأن المتشددين وبسطاء العقول يصدّقون حتى الدروايش! ان هذا التحريض الضمني مرفوض دينيا وأخلاقيا وقانونيا، فهل صار لنا «أيمّة» دمويون يدعون الى القتل ولو كان ذلك بطريقة غير مباشرة! ولماذا لا يتهجّم الأيمة وصغار مشايخ الزيتونة على الرئيس التركي الاسلامي أوردوغان الذي لم يجرؤ على الغاء قانون أقرّه مصطفى أتاتورك يقضي بإقرار المساواة في الارث بين الرجل والمرأة؟

وإذا كان من حق البعض ألا يوافقوا السبسي أو الوزير المهدي  بن غربية الذي طرح ودافع عن فكرة المساواة بين الرّجل والمرأة، فليس من حقّهم أن يذهبوا الى حدّ التكفير! كان بإمكانهم ان يعترضوا ولكن بالقول الحسن، فالخالق ليس بحاجة الى أيمّة يدافعون عنه ولا لأحزاب تكفّر من اجتهد مدعية انّ الله لم يهد قوما سواهم مثلما أكده ابن سينا وهنا أستحضر الآية الكريمة التي يقول فيها تعالى: «ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك»..
لقد تخلّت كل الشعوب الغربية المتقدّمة عن التكفير منذ أكثر من 150 سنة ففصلت بين الدولة والدين، وأمّا البلدان العربية فما زالت مهدّدة بمشروع تجار الدين الذين يريدون فرض مصالحهم الشخصية وظلاميتهم عبر مشروع العنف الداعشي أو الارهابي الذي يهدف الى ارجاع العرب الى عهود رعاة الإبل! فعوض التكفير حاوروا من لا تتفقون معهم وإلاّ لربّما فرضتم الظلام على شعب يتطلّع للنّور.

وبخصوص الثلب فلن نبالغ إذا قلنا انّ بلادنا أضحت مرجعا فيه فمنذ تغيير النظام سمحت الترويكا لبعض صحف وقنوات صرف المياه بالتهجّم على كلّ المعارضين وأحسن مثال على ذلك، الكتاب «الأسود» الذي أعدّه المنصف المرزوقي وثلب فيه من شاء بعبارات مقرفة والذي كان «قدوة» للصحافة الصفراء لتتهجّم على من كانوا يختلفون مع الترويكا في الرأي بعبارات يندى لها الجبين! ثم ضخّ المال الفاسد والقذر في الصحافة المكتوبة وحتى في وسائل الإعلام السمعي البصري حتى بلغ الثلب قمة الاجرام..وكلما رفعت قضية ضدّ المرزوقي أو أصحاب بعض الصحف الصفراء، احتفظ قضاة بها وقبروها رغم انّ الأمر يتعلق بأعراض الناس! لقد كانت القنوات والصحف المأجورة محمية من رجل «عمايل» فاسد لا تهمّه قيمة الخطايا ولا إساءات الثلب التي كان الدّيمقراطيون ضحيّتها.

وفي الأيام الأخيرة قرأت كلاما غير مقبول على الاطلاق ضدّ رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي كتبه شخص شاهدت صورته مع محامي شفيق جراية في مطار تونس قرطاج.. لقد كتب عبارات مؤذية يرفضها أيّ عاقل فرئيس الجمهورية رمز البلاد ويجب احترامه، والاختلاف معه حقّ مشاع للجميع وانتقاده ممكن ولكن في حدود اللياقة والأدب.. وهنا أطرح سؤالا أعتقد أنّه هامّ: من يحمي سياسيا وماديا وقانونيا هذا الصنف من الأشخاص الذين لا يضعون حدودا أخلاقية لكتاباتهم أو تصريحاتهم ظانين انّهم فوق كل القوانين؟
منذ 17 سنة تقريبا سلمني مدير جريدة شريط فيديو عن سجين سياسي من الحركة الاسلامية، وكذلك فيديو يتعلّق بمحام نهضوي حتى أُبرز ما يتضمّنانه لكنّ تربيتي وأخلاقي منعتني من الاستجابة لطلبه فأنا ضدّ توظيفي سياسيا وأرفض هتك أعراض الناس لأنّ الضّحايا لهم عائلات وأبناء! نعم، رغم الحاح من سلمني هذه «الوثائق» لم أنشر ولو كلمة واحدة عن محتوى هذين الشريطين لإيماني بأنّ أعراض العباد ـ حتى وإن كنت لا أتفق معهم  سياسيا ـ خطّ أحمر لا يجوز اجتيازه أو اختراقه!
مهما يكن من أمر، انّ التكفير والثلب جريمتان عظيمتان، فالأوّل يهدّد حياة فرد ولو بصفة غير مباشرة والثّاني يشوّه صورته بين أهله وذويه وحتّى في المجتمع بأسره!
فحذار من هذا الطاعون!